كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إن الله تعالى لا يشغل بشيء.
وقال الزجاج: الفارغ في اللغة على ضربين.
أحدهما: الفراغ من الشغل، والآخر القصد للشيء، كما تقول سأفرغ لفلان أي: سأجعل قصدي له.
قرأ حمزة، والكسائي، {الله لَكُمْ} بالياء.
والباقون: بالنون.
وكلاهما يرجع إلى معنى واحد.
يعني: سيحفظ الله عليكم أعمالكم، ويحاسبكم بما تعملون.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: ما عملتم فإنه لا ينسى، ولا يمنح ثوابه، وينصفكم من ظلمكم، فكيف تنكرون هذه النعم بأنها ليست من الله تعالى؟ واعلموا أن هذه النعم كلها من الله، فاشكروه.
فكيف تنكرون من هو يجازيكم بأعمالكم، ولا يمنع ثواب حسناتكم، وينصركم على أعدائكم؟ فهذه النعم كلها من الله، فاشكروه، ووحدوه.
ثم قال: {يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم} يعني: إن قدرتم {أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض} يعني: أن تخرجوا من أطراف السَّمَوَاتِ، والأرض، ونواحيها، {فانفذوا} يعني: فاخرجوا إن استطعتم.
قال مقاتل: هذا الخطاب للجن، والإنس في الدنيا.
يعني: إن استطعتم أن تخرجوا من أقطار السماوات والأرض هروبًا من الموت، فانفذوا {لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان} يعني: أينما أدرككم الموت.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هذا الخطاب في يوم القيامة، وذلك أن السماء تتشقق بالغمام، وتنزل ملائكة السموات، ويقومون حول الدنيا محيطين بها، وجاء الروح وهو ملك يقوم صفًّا وهو أكبر من جميع الخلق، فحينئذٍ يقال لهم: {إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أقطار السموات والأرض فانفذوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بسلطان} يعني: لا تنجون إلا بحجة، وبرهان.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: فبأي نعمة من نعمائه تجحدون حيث بيّن لكم أحوال يوم القيامة حتى تتوبوا، وترجعوا.
ويقال: معناه ذلك اليوم لا يفوته أحد ولا يعينكم أحد غيره، فكيف تجحدون هذه النعم.
ثم قال: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ} يعني: يرسل على كفار الجن، وكفار الإنس، لهب من النار {وَنُحَاسٌ} يعني: الصُّفْر المذاب يعذبون بهما.
ويقال: دخان لهب فيه.
ويقال: النحاس هو لباس أهل النار {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} يعني: لا تُمْنعان من ذلك.
قرأ ابن كثير: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} بكسر الشين.
والباقون: بالضم.
فهما لغتان، ومعناهما واحد.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {وَنُحَاسٌ} بكسر السين.
والباقون: بالضم.
فمن قرأ بالكسر عطف على قوله: {من نار}، ومن قرأ بالضم عطف على قوله: {شواظ}.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: لا يعينكم أحد غير الله، ولا يحفظكم حين يرسل عليكم العذاب إلا الله فكيف تنكرون قدرته وتوحيده؟.
ثم قال عز وجل: {فَإِذَا انشقت السماء} يعني: انفرجت السماء لنزول الملائكة، كقوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام وَنُزِّلَ الملئكة تَنزِيلًا} [الفرقان: 25].
ثم قال: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} يعني: صارت كدهن الورد الصافي، وهذا قول مقاتل.
وقال القتبي: صارت حمراء في لون الفرس.
يعني: بمنزلة الدابة الجُلْجُون الذي تغير لونه في كل وقت، يرى لونه على خلاف اللون الأول، ويقال له: المورد ويقال: الدهن الأديم الأحمر بلغة الفارسي.
يعني: الفرس الذي يكون لونه لون الورد الأحمر، يعنون أخضر يضرب إلى سواد، يتغير لونه بياض.
ويقال: من هيبة ذلك زاغ فيرى أنه كالدهن.
ثم قال عز وجل: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: إذا كان يوم القيامة، تغيرت السموات من هيبته، ويأمر الخلق بالحساب، فهو الذي ينجيكم من هول ذلك اليوم، فكيف تنكرون هذه النعمة.
ثم قال عز وجل: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ} يعني: عن علمه {إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} يعني: إنسيًا، ولا جنيًا لأن الله تعالى قد أحصى عليه: ويقال: لا يسأل سؤال استفهام، ولكن يسأل سؤال التوبيخ والزجر كقوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] ويقال لا يسأل الكافر لأنه عرف بعلامته.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: إذا كان يوم القيامة، أعطاكم الثواب، وأدخلكم في جنته، فكيف تنكرون وحدانيته؟ ويقال: معناه إن الله قد بين لكم أنه يعلم أعمالكم، ونهاكم عن الذنوب، وتجاوز عنكم، فكيف تنكرون، وحدانيته.
قوله عز وجل: {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} يعني: يُعرف الكافر بسواد الوجوه، وزرقة الأعين، {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والاقدام} وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب، يغلون أيديهم إلى أعناقهم، ويجمعون بين نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعونهم على وجوههم، فيطرحونهم في النار.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: هو الذي يدفع عنكم ذلك العذاب إن آمنتم به، وأطعتموه ووحدتموه، فكيف تنكرون هذه النعمة؟.
ثم قال عز وجل: {هذه جَهَنَّمُ} وذلك أن الكفار إذا دنوا من النار، تقول لهم الخزنة: هذه جهنم {التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون} يعني: جهنم التي كنتم بها تكذبون في الدنيا.
ثم أخبر عن حالهم فيها فقال: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} يعني: الشراب الحار الذي قد انتهى حره، وذلك أنه يسلط عليهم الجوع، فيؤتى بهم إلى الزقوم الذي طلعه كرؤوس الشياطين، فأكلوا منه، فأخذ في حلقهم، فاستغاثوا بالماء، فأتوا من الحميم.
فإذا قربوا إلى وجوههم، تناثر لحم وجوههم، فيشربون، فيغلي في أجوافهم، ويخرج جميع ما فيها، ثم يلقى عليهم الجوع، فمرة يذهب بهم إلى الحميم، ومرة إلى الزقوم، فذلك قوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ}.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: هو الذي ينجيكم من عذاب الآخرة، إن أطعتم أمره، وآمنتم برسله، فكيف تنكرون وحدانية الله تعالى؟ ويقال: معناه إن إخباري إياكم بهذه العقوبة نعمة لكم، لكي تنتهوا عن الكفر والمعاصي، فلا تنكروا نعمتي عليكم.
فقد ذكر الله في هذه الآيات دفع البلاء، ثم ذكر إيصال النعم لمن اتقاه وأطاع أمره، فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ} يعني: من خاف عند المعصية مقام يوم القيامة بين يدي ربه، فانتهى عن المعصية، فله في الآخرة {جَنَّتَانِ} يعني: بستانان.
وقال مجاهد: هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر الله عندها، فيدعها، فله أجران.
وذكر عن الفراء أنه قال: {جَنَّتَانِ} أراد به جنة واحدة، وإنما ذكر {جَنَّتَانِ} للقوافي، والقوافي تحتمل الزيادة والنقصان ما لا يحتمل الكلام.
وقال القتبي: هذا لا يجوز، لأن الله قد وعد ببستانين، فلا يجوز أن يريد بهما واحدًا، فلو جاز هذا لجاز أن يقال في قوله: تسعة عشر إنما هم عشرون، ولكن ذكر للقوافي.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: بأي نعمة من نعماء الله تعالى تتجاحدان؟ إذ جعل الجنة ثواب أعمالكم، فكيف تنكرون وحدانية الله تعالى ونعمته؟ قوله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} يعني: ذواتًا ألوان.
يعني: البساتين فيها ألوان من الثمرات.
ويقال: {ذَوَاتَا} أغصان.
وقال الزجاج: الأفنان ألوان، وهي الأغصان أيضًا واحدها فَنَنٌ.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: قد وُعِدْتُّمُ الجنة، والراحة، فكيف تنكرون وحدانيته ونعمته؟.
ثم قال عز وجل: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} يعني: في البساتين نهران من ماء غير آسن أي: غير متغير.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: جعل الأنهار نزاهة لكم زيادة في النعمة، فكيف تنكرون قدرة الله تعالى ونعمته؟.
ثم قال: {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} يعني: في هذين البساتين، من كل لون من الفاكهة صنفان، الحلو، والحامض.
ويقال: لونان {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: جعل فيهما من الراحة والنزاهة من كل نوع من الفاكهة؟ فكيف تنكرون نعمته وقدرته.
قوله عز وجل: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ} يعني: ناعمين على فرش {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} هو الديباج الغليظ الأخضر بلغة فارس.
وقال مقاتل: {بَطَائِنُهَا} يعني: ظواهرها.
وذكر عن الفراء أنه قال: {بَطَائِنُهَا} يعني: الظهارة، وقد تكون الظهارة بطانة، والبطانة ظهارة، لأن كل واحد منهما يكون وجهًا واحدًا.
وقال القتبي: هذا لا يصح، ولكن ذكر البطانة تعليمًا، أن البطانة إذا كانت من استبرق، فالظهارة تكون أجود.
وروي عن ابن عباس أنه سئل: أن بطائنها من استبرق فما الظواهر؟ قال هو مما قال الله تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
ثم قال: {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} يعني: اجتناؤهما قريب إن شاء تناولهما قائمًا، وإن شاء تناولهما قاعدًا، وإن شاء متكئًا.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: جعل لكم مجالس الملوك مع الفراش المرتفعة، فكيف تنكرون وحدانية الله ونعمته؟.
ثم قال عز وجل: {فِيهِنَّ قاصرات الطرف} يعني: في الجنان من الزوجات غاضات البصر، قانعات بأزواجهن، لا يشتهين غيرهم، ولا ينظرون إلى غيرهم.
قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ} يعني: لم يمسسهن إنس، {قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} يعني: لا إنسًا، ولا جنيًا {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: جعل لكم أزواجًا موافقة لطبعكم، وهن لا يرون غيركم، فكيف تنكرون الله تعالى؟.
ثم وصف الزوجات فقال: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} يعني: في الصفاء كالياقوت، وفي البياض كالمرجان، {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: جعلهن بحال تتلذذ أعينكم بالنظر إليهن، فكيف تنكرون وحدانية الله تعالى ونعمته؟.
ثم قال عز وجل: {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} يعني: هل جزاء التوحيد وهو قول لا إله إلا الله إلا الجنة.
ويقال: هل جزاء من خاف مقام ربه إلا هاتان الجنتان التي ذكرناها في الآية.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: فكيف تنكرون نعمة ربكم، حيث جعل ثواب إحسانكم الجنة، وبين لكم لكي تحسنوا، وتنالوا ثواب الله، وإحسانه.
ثم قال عز وجل: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} يعني: من دون الجنتين اللتين ذكرهما، جنتان أخروان.
فالأوليان جنة النعيم وجنة عدن، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: قد ذكر للمتقين جنتين، وجنتان أخريان، زيادة على الكرامة.
فكيف تنكرون فضل ربكم.
وكرامته.